السؤال : ما حكم الذهاب إلى أخصائية بالبشرة ،
وتقوم بكل ما يخص المرأة من عناية شخصيه ، ولكنها نصرانية ، وأخص أني
معتادة للذهاب إليها منذ ثلاث سنوات ، مرة كل شهر فقط ، للعناية ببشرتي ،
وأخشى الذهاب إلى غيرها ، وأضيف أنها ذات خلق رفيع , و لكن بعد التزامي
أصبحت أخشى الذهاب قبل معرفة الحكم في ذلك .
وأخص أني أخشى الذهاب إلى غيرها لأن غالب من يعمل في هذا المجال نصرانيات
، ومن أعرف من مسلمات خبرتهن ليست عالية .
جزاكم الله خيراً .
الجواب :
الحمد لله :
أولا :
لا يجوز للمرأة أن تمكن أحدا من النظر إلى عورتها المغلظة ، رجلا كان الناظر أو
امرأة ، مسلمة أو كافرة ، إلا ما يكون بين الزوجين من ذلك ، ولا يستثنى من ذلك إلا
ما يحتاج إليه من النظر للتداوي والعلاج .
.
وعلى ذلك : فإذا كان هذه العناية بالبشرة ، تتطلب الكشف عن العورة المغلظة للمرأة ،
كان عليها أن تعتني هي بنفسها ، ولا تمكن أحدا من النظر إليها ، ولو كانت امرأة
مسلمة ، والكافرة من باب أولى .
ثانيا :
إذا احتاجت المرأة إلى كشف عورتها المغلظة في العلاج ، كما يكون في حال الولادة ،
فالأصل أن يلي ذلك المرأة المسلمة ؛ فلا تمكن من النظر إليها رجلا أجنبيا ، ولا
امرأة غير مسلمة ، إذا وجد من يقوم بذلك من نساء المسلمات .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وَقَوْلُهُ : { أَوْ نِسَائِهِنَّ } قَالَ : احْتِرَازٌ عَنْ النِّسَاءِ
الْمُشْرِكَاتِ . فَلَا تَكُونُ الْمُشْرِكَةُ قَابِلَةً لِلْمُسْلِمَةِ ، وَلَا
تَدْخُلُ مَعَهُنَّ الْحَمَّامَ ، لَكِنْ قَدْ كُنَّ النِّسْوَةُ الْيَهُودِيَّاتُ
يَدْخُلْنَ عَلَى عَائِشَةَ وَغَيْرِهَا فَيَرَيْنَ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا
بِخِلَافِ الرِّجَالِ ، فَيَكُونُ هَذَا فِي الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ فِي حَقِّ
النِّسَاءِ الذِّمِّيَّاتِ ، وَلَيْسَ لِلذِّمِّيَّاتِ أَنْ يَطَّلِعْنَ عَلَى
الزِّينَةِ الْبَاطِنَةِ ، وَيَكُونُ الظُّهُورُ وَالْبُطُونُ بِحَسَبِ مَا يَجُوزُ
لَهَا إظْهَارُهُ ؛ وَلِهَذَا كَانَ أَقَارِبُهَا تُبْدِي لَهُنَّ الْبَاطِنَةَ ،
وَلِلزَّوْجِ خَاصَّةٌ لَيْسَتْ لِلْأَقَارِبِ "
.
ثالثا :
إذا لم تجد امرأة مسلمة لعلاجها ، أو حاجتها التي تتطلب كشف عورتها ، أو شيئا من
زينتها الباطنة ، ودار الأمر بين أن يقوم بذلك امرأة كافرة ، أو رجل مسلم ، فالأولى
أن يتولى ذلك المرأة الكافرة ، لأن الفتنة بها أبعد ، ولأنها من جنسها ، فيبعد أيضا
وقوع النظر أو اللمس بشهوة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
والطبيبة النصرانية المأمونة أولى في
علاج المرأة من الرجل المسلم ، لأنها من جنسها بخلاف الرجل
.
رابعا :
إذا كان الأمر فيما لا يتطلب كشف
العورة المغلظة ، أو الزينة الباطنة ، جاز للمرأة أن تستعين بامرأة مسلمة في بعض
حاجتها ، وما يتعلق بعنايتها الشخصية .
وهل يجوز أن تستعين في هذه الحالة
بامرأة كافرة ، كما هو الوارد في السؤال ؟
هذا ينبني على الخلاف في عورة المرأة
المسلمة أمام الكافرة ، هل هي كعورتها أمام الرجل ، أو كعورتها أمام المرأة المسلمة
؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" :
" اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَمْكِينِ الْمُسْلِمَةِ الْمَرْأَةَ
الْكَافِرَةَ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهَا عَلَى أَقْوَالٍ :
الأْوَّل : أَنَّ الْمَرْأَةَ الْكَافِرَةَ فِي نَظَرِهَا إِلَى الْمَرْأَةِ
الْمُسْلِمَةِ كَالرَّجُل الأْجْنَبِيِّ ، فَلاَ يَحِل لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ
تُمَكِّنَهَا مِنَ النَّظَرِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهَا سِوَى مَا يَحِل
لِلرَّجُل الأْجْنَبِيِّ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ مِنْهَا ، وَهَذَا قَوْل
الْحَنَفِيَّةِ فِي الأْصَحِّ وَالْمَالِكِيَّةِ ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ اعْتَبَرَهُ الْبَغَوِيُّ وَالْبُلْقِينِيّ ُوَالنَّوَوِيُّ
وَالْقَاضِي وَغَيْرُهُمْ هُوَ الأصَحُّ ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ ...
الْقَوْل الثَّانِي : أَنَّ نَظَرَ الْمَرْأَةِ الْكَافِرَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ
كَنَظَرِ الْمُسْلِمَةِ إِلَى الْمُسْلِمَةِ ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا ، وَهُوَ
مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ ... ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ
الشَّافِعِيَّةِ اعْتَبَرَهُ الْغَزَالِيُّ هُوَ الأَْصَحُّ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ
عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ...
الْقَوْل الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمَةِ أَنْ تُمَكِّنَ الْكَافِرَةَ
مِنَ النَّظَرِ إِلَى مَا يَنْظُرُ إِلَيْهِ مَحَارِمُهَا ، وَهُوَ قَوْل بَعْضِ
الْمَالِكِيَّةِ ، وَقَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَصَفَهُ النَّوَوِيُّ
بِالأَْشْبَهِ وَالرَّمْلِيُّ وَالْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ بِالْمُعْتَمِدِ ،
وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ " .
واختار غير واحد من أهل العلم القول الثاني ، أنه لا فرق في النظر بين المرأة
المسلمة أو المرأة الكافرة ، إذا كانت مأمونة على مثل ذلك .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة :
"
هل
يجب الحجاب عن المرأة الكافرة أو تعامل كما تعامل المرأة المسلمة ؟
فيه
قولان لأهل العلم ، والأرجح عدم الوجوب ؛ لأن ذلك لم ينقل عن أزواج النبي -صلى الله
عليه وسلم- ولا عن غيرهن من الصحابيات حين اجتماعهن بنساء اليهود في المدينة،
والنساء الوثنيات ، ولو كان واقعا لنقل كما نقل ما هو أقل منه " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"عورة المرأة مع المرأة كعورة الرجل مع الرجل ، سواءً من أهل البيت ، أو من نساء
خارجيات ، أو من مؤمنة أو من كافرة ، لا فرق "
وعلى ذلك : فإذا احتجت إلى معاونة امرأة نصرانية مأمونة ، في العناية ببشرتك : جاز
لك ذلك ، إذا لم يكن في العورة المغلظة ، وإن كان الاستعانة بالمسلمة في ذلك أولى ،
لقوة الخلاف في المسألة ، ومنع كثير من أهل العلم من مثل ذلك ؛ بل الأصل أن تقوم
المرأة لنفسها بذلك ، ما دام ممكنا لها ، وألا تبالغ في مثل ذلك الأمر ، كما يفعله
من لا شغل لهن من النساء .
والله أعلم