سجود السهو:
سها عن الشيء: سهواً ذهل عنه وغفل قلبه عنه إلى غيره فالسهو ذهول وغفلة عما كان في الذكر.
قال القاضي عياض: السهو في الصلاة النسيان فيها.
قال
ابن القيم: كان سهو النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة من تمام نعمة الله
تعالى على أمته وإكمال دينهم ليقتدوا به فيما يشرعه لهم عند السهو.
سجود التلاوة:
هو سجود المسلم عند قراءته لسجدة التلاوة. وسجود التلاوة سنة مؤكدة وليس بواجب عند الجمهور.
سجود الشكر:
فيستحب عند تجدد النعم واندفاع النقم سواء أكانت عامة أو خاصة بالساجد ولا يسجد لدوام النعم لأن نعم الله لا تنقطع.
وصفته وأحكامه كسجود التلاوة.
عن
عبدالله بن بحينة رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم
الظهر، فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس، فقام الناس معه حتى إذا قضى
الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس وسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم"
أخرجه السبعة، وهذا لفظ البخاري، وفي رواية لمسلم يكبر في كل سجدة وهو جالس
وسجد الناس معه مكان ما نسي من الجلوس.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)
فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم سهى في صلاة الظهر فقام عن
التشهد الأول ولم يجلس فتبعه أصحابه على ذلك ولعلهم هابوا التسبيح به إذ
ظنوا أن أمراً قد طرأ في حكم الصلاة.
(2) إن سجدتي السهو كسجود صلب
الصلاة من حيث التكبير والهيئة وما يقال فيهما فهما داخلتان في عموم الأمر
بأذكار السجود ولو كان لهما ذكر خاص لبينه صلى الله عليه وسلم فهذا وقت
الحاجة إلى بيانه.
(3) إن سجود السهو يكون قبل السلام إذا حصل نقص في الصلاة.
(4) لم يذكر في هذا الحديث أنه بعد سجدتي السهو تشهد أو دعاء بل يشعر قوله: "قبل أن يسلم" أنه سلم بعدها بلا تشهد ولا فصل.
(5)
فيه طروء السهو والنسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم المحفوف
بالعصمة مما يدل على أن الأمور البشرية الطبيعية لا تخل بعصمته ولا تقدح
برسالته. وإنما هو تشريع وتعليم وتوجيه لأمته.
(6) مشروعية سجود السهو لمن نسي التشهد الأول، وأنه سجدتان.
(7) وجوب متابعة الإمام في ترك الجلوس للتشهد وإن لم يكن المأموم ناسياً.
(
إن التشهد الأول ليس من أركان الصلاة إذ لو كان منها لتعين الإتيان به.
(9)
اتفق العلماء على مشروعية سجود السهو. لكن عند الشافعي سنة وليس بواجب،
وعند أبي حنيفة ومالك واجب في النقصان. وعند أحمد واجب في الزيادة
والنقصان.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلى النبي صلى
الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي ركعتين ثم سلم ثم قام إلى خشبة في مقدم
المسجد فوضع يده عليها وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه وخرج سرعان
الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجل يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم ذا
اليدين فقال: يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال: لم أنس ولم تقصر،
قال: بلى قد نسيت فصلى ركعتين ثم سلم ثم كبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع
رأسه وكبر، ثم وضع رأسه فكبر فسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكبر"
متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي رواية لمسلم: صلاة العصر، ولأبي داود فقال:
"أصدق ذو اليدين" فأومئوا أي نعم، وهي في الصحيحين لكن بلفظ: فقالوا. وفي
رواية له: "ولم يسجد حتى يقنه الله تعالى ذلك.
مفردات الحديث:
العشي:
هي ما بين زوال الشمس وغروبها، والصلاة التي وقع فيها السهو قيل الظهر،
وقيل العصر، لكن جاء في الصحيحين أنها الظهر من غير شك.
هابا أن يكلماه: أجلاه وأعظماه.
سرعان الناس: أوائل الناس المسرعون إلى الخروج.
ذا اليدين: صاحب يدين فيهما طول فلقب بذلك واسمه الخريقان بن عمرو.
لم أنس ولم تقصر: أي في ظنه صلى الله عليه وسلم.
حتى يقنه: يعني حتى علم عن سهوه علم اليقين بالتحقيق وإخبار الثقات.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)
جواز السهو على الأنبياء في أفعالهم البلاغية لأنهم بشر يجوز عليهم ما
يجوز على غيرهم من البشر إلا أنهم لا يقرون عليه. أما الأقوال البلاغية
فالسهو ممتنع على الأنبياء بالإجماع.
(2) إن الخروج من الصلاة قبل إتمامها – مع ظن أنها تمت – لا يبطلها بل يبني بعضها على بعض.
(3) إن الكلام في صلب الصلاة من الناسي والجاهل لا يبطلها على الصحيح من قولي العلماء.
(4) إن الحركة الكثيرة سهواً لا تبطلها ولو كانت من غير جنس الصلاة.
(5) إن سجود السهو لا يتعدد ولو تعددت أسبابه فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عن نقص واكتفى بسجدتين.
(6) وجوب سجدتي السهو لمن سها فزاد فيها أو سلم عن نقص فيها ليجبر خلل الصلاة ويرغم به الشيطان.
(7)
إن سجود السهو يكون بعد السلام إذا سلم عن نقص كهذا الحديث، ويكون قبل
السلام فيما عدا هذه الصورة. وهذا التفصيل هو الذي يجمع الأدلة وهو مذهب
الحنابلة. أما الحنفية فيرون أنه كله بعد السلام. وأما الشافعية فيرون كله
قبل السلام.
(
إجلال الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وإعظامهم إياه وهيبتهم منه حيث لم يجرؤا على مخاطبته.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سجدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في: إذا السماء انشقت واقرأ باسم ربك الذي خلق" رواه مسلم.
ما يؤخذ من الحديث:
(1) الحديث في سجود التلاوة. وقد أجمع العلماء على أنه مشروع.
(2) جمهور العلماء يرون أنه سنة ويرى أبو حنيفة وجوبه دون فرضيته.
(3) سجود التلاوة بحق القارئ والمستمع وهو قاصد الاستماع لاشتراكهما في الثواب دون السامع فلا يشرع بحقه.
(4) اختلف العلماء في عدد سجدات القرآن:
فقال أبو حنيفة هي أربعة عشر محلاً فيعتبرون سجدة – ص – ولا يرون في سورة الحج إلا سجدة واحدة.
وذهب الشافعية إلى أنها أحد عشر موضعاً فهم لا يعتبرون سجدات المفصل.
وذهب الحنابلة إلى أنها أربعة عشر سجدة ولا يعتبرون سجدة – ص – من عزائم السجود.
(5)
قال ابن تيمية: ومذهب طائفة من العلماء أنه لا يشرع فيه تكبيرة الإحرام
ولا تحليل. هذا هو السنة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليها عامة
السلف، فلا يشترط لها شروط الصلاة بل يجوز على غير طهارة.
(6) يقال في
سجود التلاوة ما يقال في سجود الصلاة سبحان ربي الأعلى لعموم قوله صلى الله
عليه وسلم: "اجعلوها في سجودكم" ولا بأس من زيادة بعض الأدعية لا سيما
المأثورة.
(7) إذا كانت التلاوة والسجود خارج الصلاة ففي أحكامها ثلاثة أقوال:
أحدها: إنه يكبر للسجود ويكبر عند الرفع ويسلم. وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد.
الثاني: إنه لا يكبر في السجود ولا في الرفع منه ولا يسلم منها؛ لأنه لم يرد في ذلك شيء.
الثالث:
إنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام ولا يسلم؛ لأن تكبير السجود ورد فيه
هذا الحديث، وأما تكبيرة الرفع والتسليم فإنه لم يرد فيه شيء.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ص ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد فيها" رواه البخاري.
مفردات الحديث:
ليست
من عزائم السجود: العزائم جمع عزيمة وهي التي أكد على فعلها، فسجدة (ص)
ليست مما ورد في السجود فيها أمر موجب أو حق ملزم وإنما ورد بصيغة الأخبار
بأن داود عليه السلام فعلها شكرا لله تعالى فسجدها نبينا صلى الله عليه
وسلم اقتداء به.
ما يؤخذ من الحديث:
(1) الحديث يدل على أن سجدة (ص)
ليست من عزائم السجود أي فليست مما ورد أمر في السجود فيها أو تخصيص أو حث
كغيرها من سجدات القرآن، وإنما وردت بصفة الإخبار عن داود عليه السلام
بأنه سجدها وسجدها نبينا صلى الله عليه وسلم اقتداء به، وعند أبي داود أنه
صلى الله عليه وسلم قال: "سجدها داود توبة ونسجدها شكرا" فينبغي أن نسجدها
خارج الصلاة.
(2) المشهور من مذهب الإمام أحمد أن السجود لأجل سجدة (ص)
يبطل الصلاة. وقيل لا تبطل بها الصلاة لأنها تتعلق بالتلاوة فهي كسائر
سجدات التلاوة. والسجود بها في الصلاة هو مذهب الإمام الشافعي. وقد صح
الحديث بسجود النبي صلى الله عليه وسلم فيها.
وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم النجم فلم يسجد فيها" متفق عليه.
ما يؤخذ من الحديث:
(1) فيه دليل على أن القارئ إذا لم يسجد فإنه لا يسجد المستمع.
(2)
وفيه دليل أن سجود التلاوة مندوب وليس بواجب إذ لو كان واجباً لأنكر على
زيد عدم سجوده، وهو قول الجمهور بخلاف أبي حنيفة. ومما يدل على عدم وجوبه
حديث عمر رضي الله عنه قال: يا أيها الناس إنا نمر بالسجود فمن سجد فقد
أصاب ومن لم يسجد فلا إثم عليه" رواه البخاري وفيه: إن الله تعالى لم يفرض
السجود إلا أن نشاء وهو في الموطأ.
وعن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجداً لله" رواه الخمسة إلا النسائي.
درجة الحديث:
الحديث حسن.
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه والبيهقي وقال الترمذي: حسن غريب.
ما يؤخذ من الحديث:
(1)
هذا الحديث يدل على سجدة يقال لها "سجدة الشكر" وهي مستحبة عند تجدد نعمة
أو اندفاع نقمة سواء أكانت النقمة أو النعمة خاصة بالساجد أو عامة
للمسلمين.
(2) حكمها حكم سجود التلاوة فمن اعتبر الأولى صلاة اعتبر هذه
صلاة لها أحكام الصلاة من اشتراط لطهارة والاستقبال والتكبير والتسليم وغير
ذلك من أحكام الصلاة. ومن لم ير سجود التلاوة صلاة اعتبر هذه مثلها.
(3) ذهب إلى استحباب سجود الشكر الشافعية والحنابلة. أما الحنفية والمالكية فلم يستحب عندهم سجود الشكر.
(4)
يختلف سجود الشكر عن سجود التلاوة بأن سجود التلاوة يجوز في الصلاة حينما
يمر القارئ في صلاته بقراءة آية سجدة. أما سجود الشكر فتبطل به الصلاة.