المقامة : تعريفها، أركانها، خصائصها
تعريف المقامة :
المقامة إحدى فنون الأدب العربي النثرية المطعمة أحياناً بالشعر، وهي أقرب الى أن تكون قصة قصيرة مسجوعة، وحكاية خيالية أدبية بليغة، ينقلها راوٍ من صنع خيال الكاتب يتكرر في جميع المقامات، يصوره وكأنه قد عاش أحداثها، ولها بطل إنساني مشّرد شحاذ ظريف ذو أسلوب بارع وروح خفيفة، يتقمص في كل مرة شخصية معينة، يضحك الناس أو يبكيهم أو يبهرهم ليخدعهم وينال من أموالهم، ضمن حدث ظريف فحواه نادرة أدبية أو مجموعة مسائل دينية أو مغامرة هزلية تحمل في طياتها لوناً من ألوان النقد والسخرية وسقوط القيم لتمثل صور من الحياة الاجتماعية في العصر الذي كتبت فيه، وتقوم على التفنن في الإنشاء، والاهتمام باللفظ والأناقة اللغوية وجمال الأسلوب، بحيث تتقدم على الشعر بمحسناتها اللفظية والبديعية، وتشتمل على كثير من درر اللغة وفرائد الأدب والحكم والأمثال والقطع النثرية والأشعار الغريبة في بابها، وتدخل ضمن فن الفكاهة، وهدفها الأساس تعليم الناشئة أصول اللغة والقدرة على النظم والتفنن في القول. قال صاحب صبح الأعشى: وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها. فمعنى المقامة في اللغة: المجلس.
أركان المقامة:
تقوم المقامة على ثلاثة أركان: الراوي، والبطل، والنكتة
- الراوي:
يكون في كل مقامة راوٍ معين باسمه، يتكرر في جميع المقامات، فراوي مقامات الهمداني مثلاً هو (عيسى بن هشام) وراوي مقامات الحريري هو (الحارث بن همام) ..وهو من ينقلها عن المجلس الذي تقع فيه، ينتمي في غالب الأحيان الى طبقة اجتماعية متوسطة، يتابع البطل أو يصادفه، ويمهد أحياناً لظهوره، ويبدو وكأنه يتبعه أينما مضى، ويحسن طريقة تقديمه، ويسخط في غالب الأحيان على أخلاق البطل واحتياله وخداعه، ولا يكتشف أمره أحياناً إلا في نهاية المقامة.
- البطل (الشحاذ) :
ويكون لكل مجموعة مقامات معينة أيضاً بطل قصتها الذي تدور حوله، وتنتهي بانتصاره في كل مرة، وهو يتكرر في جميع المقامات تماماً كالراوي باسمه وشخصه، فبطل مقامات الهمداني مثلاً هو (أبو الفتح
الأسكندري)، وبطل مقامات الحريري هو (أبو زيد السروجي)، وهو شخص خيالي - غالباً - مخادع ينتمي الى شريحة المحتالين الأذكياء البلغاء، الذين يستخدمون الحيلة والفطنة والدهاء في استلاب الناس أموالهم، لذا فإن أبرز ميزات البطل الشحاذ هي أن يكون خفي المكر، لين المصانعة، فتيق اللسان، شديد العارضة، مفوهاً حذاقياً، واسع المعرفة في صنوف الأدب وغريب اللغة وأحكام الدين وصنوف العلم، فهو شاعر وخطيب وواعظ، يتظاهر بالإيمان والزهد ويضمر الفسق والمجون، ويتصنع الجد ويخفي في طياته الهزل، ويظهر غالباً كشخص مسكين متهالك بائس، إلا أنه في واقع الأمر طالب منفعة.
والحقيقة أن الشخصية التي يستشعرها القارئ ليست شخصية البطل الأسطوري هذا وإنما هي شخصية مؤلف المقامة الذي ينبغي له أن يكون واسع الاطلاع على مختلف الفنون والعلوم، قدير في النظم والنثر والخطابة، قوي الملاحظة حاد الفكرة في حل الألغاز وكشف المبهمات، وهو بنفس الوقت هزل مرح النفس أمام الصعوبات واجتيازها.
- النكتة:
تدور كل مقامة من المقامات على نكتة خاصة وفكرة معينة يراد إيصالها عن طريق البطل الشحاذ، وتكون عادة فكرة مستحدثة، أو ملحة مستظرفة، وقد تستبطن فكراً جريئاً لا يدفع غالباً الى تبني السلوك الإنساني الطبيعي، أو الحث على مكارم الأخلاق، وموضعات المقامات تكون مختلفة، فمنها ما هو لغوي، أو أدبي، أو بلاغي، ومنها ما هو فقهي ، أو حماسي أو فكاهي، ومنها ما هو خمري أو مجوني، بحيث تترادف المقامات في مواضيع مختلفة خالية من النسق والترتيب أو يكون ترتيبها غير ظاهر الترابط بوضوح، فكل مقامة تعتبر وحدة قصصية قائمة بنفسها تعتمد وحدة المكان غالباً. ويغلب المقامات عادة الفكاهة والملح النادرة.
مقومات الشكل:
تعتمد المقامة في صياغتها وأسلوبها على التزام السجع، والإغراق في الصنعة اللفظية وتوظيف غريب اللغة، والمحسنات البديعية المختلفة لا سيما الجناس منها، وفنون البلاغة المتنوعة من تشبيهات وكنايات واستعارات واقتباس، ومقابلة وموازنة وما الى ذلك، فهي فن تزويق وتأنق لفظي.
اسم المقامة وطولها :
غالباً ما تؤخذ أسماء المقامات من اسم البلد الذي انعقد فيه مجلسها، فمن أسماء مقامات الحريري مثلاً: المقامة الصنعانية، المقامة الحلوانية، المقامة الكوفية، المقامة المراغية، المقامة الدمشقية، المقامة البغدادية، المقامة السنجارية، ....، وتختلف المقامات فيما بينها في الطول، فقد تكون طويلة، وقد تكون قصيرة.
تأثير المقامة العربية في أدب العالم:
يشير بعض النقاد الى أن المقامة العربية قد أثرت في الأدب الغربي تأثيراً واسعاً، فقد أثار بعض الباحثين مسألة تأثيرها في (الكوميديا الإلهية) لدانتي، وكان لأثرها بروزٌ كبيرٌ وواضحٌ في قصص الشطّار الأسبانية التي تتحدث عن أحوال المجتمع وظروف الأغمار من الناس وقصص الطماعين والشحاذين، مما أوحى به مضمون المقامة، واعترف به المهتمون بالأدب الأندلسي استناداً الى المقارنات التي عقدوها بين المقامة والأدب السردي في أوربا.
تستعمل كلمة الحكي في كتابات النقدية العربية بمعنى رواية حدث أو سلسلة من الأحداث. والحكاية قد يكون موضوعا أحداثا واقعية أو واقعية ممزوجة ببعض الخيال وقد تكون موضوعها كله مغامرات خيالية ويمكن دراسة الحكي من جانبين : جانب يهتم بالمادة الحكائية، جانب يهتم بطريقة عرض الأحداث والشخصية وكيفية التعبير عنها وهو الخطاب الذي يجسد الحكاية، ونجد الحكي في نصوص مختلفة منها السرد :
1) مفهوم السرد :
يقوم الحكي عامة على دعامتين أساسيتين :
أولهما : أن يحتوي على قصة ما، تضم أحداثا معينة.
وثانيهما : أن يعين الطريقة التي تحكي بها تلك القصة، وتسمى هذه الطريقة سردا، ذلك أن قصة واحدة يمكن أن تحكي بطرق متعددة، ولهذا السبب فإن السرد هو الذي يعتمد عليه في تمييز أنماط الحكي بشكل أساسي.
2) وظائف السارد :
للسارد في القصة وظائف متعددة منها :
1- الوظيفة السردية : حيث يقوم السارد بحكي الأحداث، وتقديم الشخصيات ووصف الأمكنة والأشياء .
2- الوظيفة التفسيرية : قد يؤدي السارد أحيانا وظيفة تفسيرية لما يحدث للشخصيات من أحداث، بحيث يسلط الضوء عليها، موضحا، وشارحا أسبابها .
3- وظيفة تواصلية : يتوجه السارد إلى المسرورد له – وهو القارئ النهي – ليحقق نوعا من التواصل معه.
4- الوظيفة التقييمية : حيث يقوم السارد بالتعليق على بعض الأحداث، انطلاقا من وجهة نظره، ومن موقفه الفكري أو الأخلاقي أو وصفه لإحدى شخصيات القصة بطريقة ساخرة تعبر عن نوع من التهكم والإحتقار.
3) طرائق السرد :
للسرد طرائق متنوعة سواء في القصة القصيرة أو الرواية بحيث يمكن التمييز بين ثلاث رؤيات سردية :
أ- الرؤية من خلف :
يتميز السارد فيها بكونه يعرف كل شيء عن شخصيات عالمه، بما في ذلك أعماقها النفسية وأحاسيسها، وأفكارها، مخترقا جميع الحواجز، منتقلا في الزمان والمكان دون صعوبة. ويفترض أن تحكي القصة التي تعتمد هذه الرؤية السردية بضمير الغائب .
ب- الرؤية مع :
السارد هنا يتساوى في المعرفة مع الشخصية، فهو لايقدم لنا أي تفسير للأحداث قبل أن تصل الشخصية ذاتها إليه، ويستعمل ضمير المتكلم أو الخاطب في هذه الرؤية، حيث يتطابق السارد بالشخصية القصصية .
ج- الرؤية من خارج :
يكون السارد في هذه الرؤية أقل إدراكا ومعرفة من أي شخصية في القصة، وهو بذلك لايمكنه إلا أن يصف مايرى ويسمح، دون أن يتجاوز ذلك كما هو أبعد، كالحديث عن وعي الشخصيات وأفكارها مثلا، أو التعليق على الأحداث فهو سارد محايد.