عن أبي عمارة البراء بن عازب رضي الله عنهما قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنازة وتشميت العاطس وإبرار المقسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام ونهانا عن خواتيم أو تختم بالذهب وعن شرب بالفضة وعن المياثر الحمر وعن القسي وعن لبس الحرير والإستبرق والديباج متفق عليه وفي رواية وإنشاد الضالة في السبع الأول المياثر بياء مثناة قبل الألف وثاء مثلثة بعدها وهي جمع ميثرة وهي شيء يتخذ من حرير ويحشى قطنا أو غيره ويجعل في السرج وكور البعير يجلس عليه الراكب والقسي بفتح القاف وكسر السين المهملة المشددة وهي ثياب تنسج من حرير وكتان مختلطين وإنشاد الضالة تعريفها
الشرح
ذكر المؤلف رحمه الله في بيان حقوق المسلم على أخيه حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بسبع ونهانا عن سبع وقد تقدم الكلام على خمسة من هذه الأمور التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث تقدم الكلام عليها في الحديث السابق فلا حاجة إلى إعادتها وفي هذا الحديث من الزيادة على ما سبق قوله نصر المظلوم الحق السادس من حقوق المسلم على أخيه المسلم نصر المظلوم يعني دفع الظلم عنه سواء كان ظلمه في المال أو في العرض أو في النفس فيجب على المسلم أن ينصر أخاه المسلم ولقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام انصر أخاك ظالما أو مظلوما قالوا يا رسول الله هذا المظلوم يعني ندفع عنه الظلم فكيف نصر الظالم قال تمنعه من الظلم فذلك نصره لأن الظالم قد غلبته نفسه حتى ظلم فتنصره أنت على نفسه حتى تمنعه من الظلم فإذا رأيت شخصا يظلم جاره بالإساءة إليه وعدم المبالاة به فإنه يجب عليك أن تنصر هذا وهذا الظالم والمظلوم فتذهب إلى الظالم الجار الذي أخل بحقوق جاره وتنصحه وتبين له ما في إساءة الجوار من الإثم والعقوبة وما في حسن الجوار من الأجر والمثوبة وتكرر عليه حتى يهديه الله فيرتدع وتنصر المظلوم الجار وتقول له أنا سوف أنصح جارك وأكلمه فإن هداه الله فهذا هو المطلوب وإن لم يهتد فأخبرني حتى نكون أنا وأنت عند القاضي أو الحاكم سواء نتعاون على دفع ظلم هذا الظالم وكذلك إذا وجدت شخصا جحد لأخيه حقا تدري أنه جحده وأن لأخيه عليه هذا الحق فتذهب إلى هذا الظالم الذي جحد حق أخيه وتنصحه وتبين له ما في أكل المال بالباطل من العقوبة وأنه لا خير في أكل المال بالباطل لا في الدنيا ولا في الآخرة بل هو شر حتى يؤدي ما عليه وتذهب إلى صاحب الحق وتقول له أنا معك واصبر ها نحن ننصحه ها نحن نوبخه وهكذا بقية المظالم تنصر أخاك ظالما أو مظلوما والظالم نصرك إياك أن تمنعه عن الظلم الحق السابق إبرار القسم يعني إذا أقسم عليك أخوك بشيء فبره ووافقه على ما قسم عليه فإذا حلف قال والله لتفعلن كذا وكذا فإن من حقه عليك أن تبر بيمينه وأن توافقه إلا إذا كان في ذلك ضرر عليك مثل لو حلف عليك أن تخبره عما في بيتك من الأشياء التي لا تحب أن يطلع عليها أحد فلا تخبره لأنه معتد لكونه يطلب منك أن تبين له ما كان سرا عندك وإذا كان معتديا فإن المعتدي جزاؤه أن يترك ولا يوافق على اعتدائه لكن إذا لم يكن عدوان وحلف عليك فإن من حقه أن تبر بيمينه وتعطيه ما حلف عليه إلا إذا كان معصية فإذا كان معصية لا تجبه مثل لو أقسم عليك أن تعطيه دراهم يشتري بها دخان فهذا لا يلزمك بل لا يجوز لك أن توافقه لأنك تعينه على الإثم والعدوان أو كان في ذلك ضرر عليك كما مثلنا بمن حلف عليك أن تخبره بما في سر البيت من الأمور التي لا تحب أن يطلع عليها أحد أو حلف عليك بشيء يضرك مثل أن يحلف عليك بشيء يضرك إذا وافقته عليه كأن يقول أبوك مثلا والله لا تحج البيت والحج واجب عليك فإنك لا تطعه لأن في هذا تركا للواجب ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق أو حلف عليك ألا تزور أمك وقد طلقها وصار بينه وبينها مشاكل فكرهها فقال لك والله لا تذهب إلى أمك فهذا لا يطعه وذلك لأنه آثم بكونه يحول بينك وبين صلة الرحم وصلة الرحم واجبة وبر الوالدين واجب فلا تطعه ومن ذلك أيضا إذا حلف ألا تزور أحدا من إخوانك أو أعمامك أو أقاربك فلا تطعه ولا تبر يمينه ولو كان أباك لأن صلة الرحم واجبة ولا يحل له أن يحلف مثل هذا الحلف وصلة الرحم إذا قام بها الإنسان فإن الله تعالى يصله فقد تعهد الله للرحم أن يصل من وصلها وأن يقطع من قطعها فإذا انتفت الموانع فإن الأولى أن تبر بهن وهاهنا مسألة وهي أنه ربما يحلف هو وتحلف أنت وهذا يقع كثيرا في الضيف إذا نزل عليك قال والله ما تذبح لي فتحلف أنت وتقول والله لأذبح لك فهنا من الذي يبر الأول أم الثاني يبر الأول لأن حقه ثابت ونقول للثاني صاحب البيت الذي حلف أن يذبح نقول لا تذبح وكفر عن يمينك لأن الأول أحق بالبر وأسبق وهنا مسألة يجب أن يتفطن لها أيضا في هذا الأمر وهو أن بعض السفهاء إذا نزل به ضيف طلق الضيف أن لا يذبح له قال علي الطلاق من امرأتي أو من نسائي إن كان له أكثر من امرأة أن لا تذبح لي فيقول صاحب البيت وأنا علي الطلاق أن أذبح لك وهذا غلط قال النبي عليه الصلاة والسلام من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت أما الطلاق فلا ما ذنب المرأة حتى تطلقها وهو من الخطأ العظيم وأقول لكم إن المفتيين اليوم وأنا منهم نفتي بأن الإنسان إذا أراد بذلك التهديد أو التأكيد فإنه لا طلاق وعليه كفارة يمين يعني أن حكمه حكم اليمين ولكني أقول لكم إن أكثر أهل العلم ومنهم أصحاب المذاهب الأربعة على أن هذا طلاق وعلى أنه إذا لم يف بما قال طلقت امرأته فالمسألة خطيرة لا تظنوا أن الناس إذا أفتوا بالأمر السهل أن المسألة سهلة بل هي خطيرة جدا إذا كان أصحاب المذاهب الأربعة المالكي والشافعي والحنفي والحنبلي كلهم يرون أن مثل هذا يكون طلاقا وأنه إذا طلق ألا تذبح وذبحت طلقت زوجته وإذا طلقت أن تذبح ولم تذبح طلقت زوجتك وهذه المذاهب الأربعة ليست بهينة والخلاف في هذا ليس بهين فلا تستهينوا بهذا الأمر فهو خطير جدا وأنت الآن مثلا إذا رجعت إلى زوجتك وكانت هذه آخر طلقة فأنت تطؤها على المذاهب الأربعة وطئا حراما وعلى القول أنه يمين تكفر عن يمينك وتحل لك فالمسألة خطيرة للغاية لذلك يجب علينا أن نتناهى عنها وألا نقول إذا حصل اذهب لابن باز أو لابن عثيمين أو الثاني أو الثالث فهذا ما ينفعك فهناك علماء أجلاء أكبر منهم يرون أن هذا طلاق وأنه إذا كان هذا آخر طلقة فإن المرأة تبين بها ولا تحل لزوجها إلا بعد زوج آخر أقول هذا من أجل ألا تتهاونوا في هذا الأمر فهذا الأمر خطير جدا فمن كان حالفا فليحلف بالله يقول والله ثم إني أشير عليكم بأمر هام أنك إذا حلفت على يمين فقل إن شاء الله ولو لم يسمعها صاحبك قل إن شاء وإن لم يسمعها صاحبك لأنك إذا قلت إن شاء الله يسر الله لك الأمر حتى تبر بيمينك وإذا قدر أنه ما حصل الذي تريد فلا كفارة عليك وهذه فائدة عظيمة فلو قلت لواحد مثلا والله ما تذبح لي ثم قلت بينك وبين نفسك إن شاء الله بينك وبين نفسك ثم ذبح فلا عليك شيء ولا عليك كفارة يمين وكذلك أيضا بالعكس لو قلت والله لأذبح ثم قلت بينك وبين نفسك إن شاء الله وهو ما سمع صاحبك فإنه إذا لم تذبح ليس عليك كفارة لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين فقال إن شاء الله لم يحنث وهذه فائدة عظيمة اجعلها على لسانك دائما اجعل الاستثناء ب إن شاء الله على لسانك دائما حتى يكون فيه فائدتان الفائدة الأولى أن تيسر لك الأمور والفائدة الثانية أنك إذا حنثت ما يلزمك الكفارة أما السبع التي نهى عنها عليه الصلاة والسلام في حديث البراء فمنها التختم بالذهب والتختم بالذهب خاص بالرجال فالرجل لا يحل له أن يلبس الذهب وأن يتختم بالذهب ولا أن يلبس سوارا من ذهب ولا أن يلبس قلادة من ذهب ولا أن يلبس خرصا من ذهب ولا أن يلبس على رأسه شيئا من الذهب كل الذهب حرام على الرجل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رجل رأى عليه خاتما من ذهب قال يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في أصبعه أو قال في يده ثم نزع النبي صلى الله عليه وسلم الخاتم فرمى به فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للرجل خذ خاتمك انتفع به قال والله لا آخذ خاتما طرحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال عليه الصلاة والسلام في حديث علي بن أبي طالب أحل الذهب والحرير لإناث أمتي وحرم على ذكورها وأما تختم المرأة بالذهب فلا بأس به ولا حرج فيه فيجوز لهن التختم بالذهب والتسور به وأن يلبسن ما شئن منه إلا إذا بلغ حد الإسراف فإن الإسراف لا يحل لقول الله تعالى ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين وقد حكى بعض العلماء إجماع أهل العلم على جواز لباس المرأة للخاتم والسوار ونحوهما وأما الأحاديث الواردة في النهي عن الذهب المحلق للنساء فهي أحاديث إما ضعيفة وإما شاذة ترك العمل بها وتواترت الأحاديث الكثيرة التي فيها إقرار النبي صلى الله عليه وسلم النساء على لبس المحلق من الأسورة وكذلك من الخواتم ولكن يجب على المرأة إذا كان عندها ما يبلغ النصاب من الحلي من الذهب أداء زكاته بأن تقومه كل سنة بما يساويه وتخرج منه ربع العشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من الذهب يعني سوارين غليظين فقال أتودين زكاة هذا قالت لا قال أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار يوم القيامة فخلعتهما وأعطتهما النبي صلى الله عليه وسلم وقالت هما لله ورسوله ونهى أيضا في هذا الحديث وعن الشرب في آنية الفضة يعني نهانا أن نشرب في آنية الفضة سواء كان الشراب ماء أو لبنا أو مرقا أو غير ذلك وسواء كان الشارب رجلا أو امرأة لأن تحريم الأواني من الذهب والفضة شامل للرجال والنساء ولا فرق بين الفضة الخالصة وبين المموه بالفضة كل ذلك حرام وأما آنية الذهب فهي أشد وأشد وقد ثبت النهي عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال لا تشربوا في آنية الذهب ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة أما المياثر الحمر فهي مثل المخدة يجعل في حشوها قطن ويجعل على هذا القطن خرقة من الحرير وتربط في سرج الفرس أو في كور البعير من أجل أن يجلس عليها الراكب فيستريح وكذلك القسي وغيرها فإنها كلها من أنواع الحرير وهي حرام على الرجال لأنه لا يجوز للرجل أن يلبس الحرير ولا أن يجلس عليه ولا أن يفترشه ولا أن يلتحفه وأما المرأة فيجوز لها لبس الحرير لأنها محتاجة إلى الزينة والتجمل كما قال الله تعالى أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين يعني أو من يرفه في الحلية وهو في الخصام غير مبين كمن ليس كذلك وهم الرجال فالرجال لا يرفهون في الحلية ولا ينشئون فيها لأنهم مستغنون ببطولتهم ورجولتهم عن التزين والتجمل بهذه الأشياء وأما افتراش المرأة للحرير والتحافها به وجلوسها عليه فقد اختلف فيه العلماء منهم من منع وحرم واستدل بعموم هذا الحديث وأن الرسول عليه الصلاة والسلام نهى عن المياثر الحمر وشبهها وقال إن المرأة يباح لها أن تلبس الحرير لاحتياجها إليه أما أن تفترشه فلا حاجة لها إلى أن تفترش الحرير وهذا القول أقرب من القول بالحل مطلقا أي بحل الحرير للنساء مطلقا لأن الحكم يدور مع علته وجودا وعدما بقى الكلام على قوله وإنشاد الضالة يعني مما أمرهم به إنشاد الضالة يعني أن الإنسان إذا وجد ضالة وجب عليه إنشادها أي طلب من هي له والضالة هي ما ضاع من البهائم وقد قسم العلماء رحمهم الله الضالة إلى قسمين الأول قسم يمتنع من الذئاب ونحوها من صغار السباع فهذا لا يجوز التقاطه ولا إيواؤه ومن آوى ضالة فهو ضال مثل الإبل أو ما يمتنع بطيرانه مثل الطيور كالصقور والحمام وشبهها أو ما يمتنع بعدوه كالظباء ونحوها فالذي يمتنع من صغار السباع كالذئاب وشبهها ثلاثة أنواع ما يمتنع من السباع لكبر جثته وقوته مثل الإبل وما يمتنع من السباع لطيرانه كالصقور والحمام وما يمتنع من السباع لعدوه وسرعة سعيه كالظباء فهذه لا يجوز للإنسان أن يلتقطها ولا يجوز له أن يؤويها بل يطردها من إبله ويطردها من حمامه إذا آوت إلى حمامه فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الإبل فقال ما لك ولها معها سقاؤها وحذاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها معها سقاؤها يعني بطنها تملؤه ماء وحذاؤها يعني خفها تمشي عليه ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها فلا يجوز لك أن تؤوى هذه الضالة ولا أن تلتقطها ولو كنت تريد الخير اللهم إلا إذا كنت في أرض فيها قطاع طريق تخشى أن يأخذوها ويضيعوها على صاحبها فلا بأس أن تأخذها حينئذ أو إذا كنت تعرف صاحبها فتأخذها لتردها عليه فهذا لا بأس به الثاني ما لا يمتنع من صغار السباع يعني الذي يعجز أن يفك نفسه مثل الغنم أو الماعز أو الشياه أو ما أشبه ذلك فإنك تأخذها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام هي لك أو لأخيك أو للذئب ولكن يجب عليك أن تبحث عن صاحبها وقوله هي لك يعني إن لم تجد صاحبها أو لأخيك يعني صاحبها إذا عرفته أو للذئب إذا لم يجدها أحد أكلها للذئب فهذه تؤخذ ويبحث عن صاحبها فإذا تمت السنة ولم يوجد صاحبها فهي لمن وجدها وإنشاد الضالة له معنيان المعنى الأول ما ذكرنا وهذا واجب على الإنسان المعنى الثاني منهي عنه وذلك مثل ما يقع في المساجد وهو أن يطلب الإنسان الضالة فيه مثل أن يقول من عين كذا وكذا أو يا أيها الناس قد ضاع لي كذا وكذا فمن وجدها فهذا لا يجوز في المسجد قال النبي عليه الصلاة والسلام إذا سمعتم أحدا ينشد ضالة في المسجد فقولوا له لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا إنسان يقف في المسجد ويقول يا جماعة من عين لي شاة من عين لي عنزة من عين لي كذا فهذا حرام والمساجد ما بنيت لهذا ونحن مأمورون أن ندعو الله عليه فنقول لا ردها الله عليك كما أننا إذا سمعنا شخصا يبيع ويشتري في المسجد فإننا نقول لا أربح الله تجارتك لأن المساجد لم تبن للبيع والشراء فهذه الأوامر التي أمر بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم كلها خير والنواهي التي نهى عنها كلها شر لأن قاعدة الشريعة تأمر بالمصالح وتنهي عن المفاسد وإذا اجتمع في الشيء مفسدة ومصلحة غلب الأقوى منهما والأكثر فإن كان الأكثر المصلحة غلبت وإن كانت المفسدة غلبت وإن تساوى الأمران غلبت المفسدة لأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح